ثلاثة أنواع للبنية الكنسية مقابل الكنيسة الحقيقية الواحدة

البنية المحمية و البنية المنقرضة و البنية المعاصرة مقابل الكنيسة الحقيقية

الكنيسة الحقيقية هي أبناء الله الحقيقيون وهي عروس المسيح المقدسة الطاهرة بلا دنس وبلا غضن و مهيأة كعروس لعريسها المسيح. كنيسة يمر فيها نهر حب ابدي لا يتوقف لحظة و يرتفع فيها صليب المسيح يراه كل سكانها فيملأ قلبهم شعور بالامتنان والافتخار

١- البنية المحمية هي البنية التي تستمد استمراريتها من بناء الاسوار التي تحميها من الخطر الخارجي وترى كل ما يحدث خارجها يمثل تهديداً لوجودها. تشبه هذه البنية المحميات التي يسكنها السكان الاوائل في كندا فكل سكانها من نفس العرق وذلك لايمنع وجود بعض الزيجات مع المجتمع الخارجي وان كانت محدودة بما لا ينتج عنه تغيير في التركيبة المجتمعية و مازال سكان المحمية يستخدمون لغتهم الاصلية فيما بينهم ولهم عاداتهم الخاصة و عباداتهم الخاصة و احتفالاتهم الخاصة وثقافتهم الخاصة.

من فوائد هذا الاسلوب حماية القبيلة من الانقراض عن طريق التمسك بثوابت القبيلة واذا رجعت لزيارة المحمية بعد سنوات عديدة فلن تلاحظ أي تغييرات جوهرية سواء في طريقة الحياة أو التفكير فيما عدا اختلاف انواع السيارات والاجهزة المستخدمة و بعض مستلزمات الحياة وكل هذه الاشياء بالطبع هي من انتاج العالم الآخر.

تبدو فكرة بناء الاسوار لحماية ثقافة سكان المحمية اكثر ضرورية في وجود مجتمع أغلبية متسلط و يفتقر للقيم الانسانية و الاخلاقية العليا مثل المساواة و العدالة. وتمثل هذه الاسوار الغير مرئية ضمان لحماية سكان المحمية الذين يشكلون أقلية وسط مجتمع همجي من جهة القيم و المبادئ حتى اذا كان هذا المجتمع الهمجي تبدو عليه من الخارج لمحات من التطور الشكلي. السؤال هو يا ترى ما هو مستقبل المحمية وما هو تأثيرها على المجتمع الخارجي. الاجابة سهلة لا يوجد مستقبل و ذلك لا يعتبر بحسب اهداف المحمية نجاحاً لان الهدف واضح و بسيط وهو الاحتفاظ بكل شيئ في المحمية كما هو واعتبار ان النجاح هو في مقاومة التغيير بكل قوة و اعتبار أي تغيير هو تهديد لاستمرارية المحمية و بداية الطريق للانقراض على يد المجتمع الخارجي.

لايهم المجتمع الخارجي ان تتغير المحمية بل ما يقوم به سكان المحمية هو ربح للطرفين بالمحمية بهذه الطريقة تحفظ سكانها من الانقراض و المجتمع الخارجي بهذه الطريقة يحفظ نفسه من تأثير أي عدوى محتملة قادمة من هذه المحميات. ويبدو ان الغيورون في المحمية والذين يبذلون كل ما يملكون على بناء اسوار الحماية سوف يتفاجأون انهم اذا لم يبنوا هذه الاسوار سوف يبنيها سكان المجتمع الخارجي بأنفسهم. أما من جهة التأثير فان المحميات تجذب بعض ذوي الفضول الذين ينجذبون اليها الذين تعبوا من سرعة المجتمع الخارجي أو فشلوا في التفاعل الايجابي معه أو كما ينجذب الباحث الى المتاحف فهي متاحف حية و من يدخلها لأول مرة تغمره الدهشة من قدرة سكان المحمية على الاحتفاظ بشكل مجتمعهم عبر مئات السنين و التعجب من قدرة غريزةً البقاء والخوف من الانقراض على هروب الانسان إلى كهف المحمية حتى لا تقضي عليه ميكروبات التغيير في المجتمع الخارجي. ان الانعزال عن هذه الميكروبات انتج جهاز مناعة ضعيف لسكان المحمية و اذا تجرأ احد سكان المحمية و تجاوز اسوار المحمية فغالباً سوف يبتلع من المجتمع الخارجي بسبب مناعته الضعيفة ولكن ستعتبر المحمية ان ما حدث معه هو بسبب تمرده و عدم التزامه بقوانين المحمية وبذلك يكون عبرة لسكان المحمية حتى لايحدث معهم نفس المصير المشئوم.

٢- البنية المنقرضة هي البنية التي قرر سكانها كسر حاجز الخوف و الخروج من الكهف و بالفعل اختبروا ان افكارهم و مبادئهم قادرة على تغيير المجتمع الخارجي و تنويره ولكن للاسف توقف السكان في مرحلة ما عن التأثير و التفاعل و انتصرت الاصوات الداعية الى حتمية بناء الاسوار و حماية سكان البنية الجديدة و وجد سكان هذه البنية الجديدة انهم لا يستطيعون الرجوع للمحمية لانهم اكتسبوا قيماً جديدة لم تكن متاحة لهم عندما كانوا من سكان المحمية ولا يستطيعون النزول من الدرجة التي وصلوا اليها في سلم التطور الى درجة اقل من وجهة نظرهم و في نفس الوقت لا يستطيعون الاستمرار في التطور فقوة الدفع الاولى قد ضعفت و صارت غير قادرة الآن على التأثير التفاعلي الايجابي في المجتمع بل تغيرت المعادلة و صار نفوذ المجتمع الخارجي أقوى اذاً فلا بد من سكان البنية بناء الاسوار. ولكن الاسوار في هذه الحالة لن تكون ابداً بقوة اسوار المحمية لان في خروجهم للعالم كان عليهم ان يتكلموا بلغة المجتمع الخارجي و يعبرون على جسور ثقافة المجتمع الخارجي وكان هذا العبور ناجحاً في بداياته و تيقن عندهم ان نورهم اقوى من الظلمة التي في العالم و انه يجب ان يوضع فوق المكيال ليستفيد منه العالم ولكنهم توقفوا في منتصف الطريق عند مرحلة ما و اكتفوا بما وصلوا اليه من تقدم فبنوا اسوار الحماية و حاولوا الاحتفاظ بثقافتهم الجديدةً و هم بذلك اختاروا دون قصد ان يتحولوا الى متاحف توقفت عندها حركة التطور عند مرحلة زمنية ما وهم لايستطيعون تقديم مستوى من العراقة مماثل لمتاحف المحميات و لا يستطيعون مجاراة العصر لانهم فقدوا قوة الدفع و توقفوا على احدى درجات سلم التطور المجتمعي و صاروا مثل نافذة من ينظر من خلالها يرى حقبة من الماضي تعبر عن زمن ما قد يكون من القرن السادس عشر او السابع عشر او الثامن عشر او التاسع عشر بحسب الاستنارة وقوة الدفع نحو الانطلاق الشجاع و التأثير التفاعلي الايجابي في العالم التي تجمدت في صقيع الزمن و توقفت عندهم عقارب الساعة. واذا اتينا الى القرن العشرين او الواحد والعشرين نجد ان تسارع قوة الدفع قد اكتسب معدل اسرع و شهد القرن العشرين العديد من قوى الدفع ولكن متى توقفت قوة الدفع تحولت البنية من وضع الذهاب والخروج الى وضع الدفاع والسكون و من فكر بناء الجسور الى فكر بناء الاسوار ومن فكر التأثير الايجابي التفاعلي في العالم الى فكر الحماية من التأثير القوي للعالم وبذلك تحولت هذه البنية الى شبه محميات ولكنها ليست محميات اصيلة فهي فقدت الكهف و خرجت للعراء و صارت تفتقر الى عناصر قوة المحميات الاصلية و اسوارها ليست بنفس الصلابة. ولذلك فهذه البنية قد انقرض بالفعل الكثير منها و ماهي إلا مسألة وقت و الانقراض آتي لا محالة وان كان وجودها الشكلي لتسهيل الزيجات او الجنازات قد يستمر في حالة وجود سوق لهذه الخدمات وذلك بالطبع سيختلف من مجتمع لآخر.

٣- البنية المعاصرة وهي البنية التي استمرت في خروجها من المحمية و لم تتوقف عقارب الساعة بالنسبة لها و استمرت في التقدم للامام بدون خوف و بدون رجوع للوراء و لم تتوقف عملية بناء الجسور عند مرحلة زمنية ما بل لم تتوانى على هدم الجسور التي عفا عليها الزمن و قامت ببناء جسور جديدة متطورة تناسب التطور الذي يدور يحدث حولها ليستمر التأثير الايجابي التفاعلي و يستمر تأثير الاستنارة. وفي هذه البنية يتم تجهيز السكان للتفاعل الايجابي مع العالم فالطالب او العامل او رجل الاعمال لا يتم تأنيبه على عدم حضور الاجتماعات التي تتعارض مع دراسته او نجاحه في مهنته ولا يتم اعتباره غير مكرس او ضعيف روحياً بل يتم تشجيعه على اكتشاف دعوته الالهية المتقدمة في وسط ظلمة العالم بلا خوف و تفعيل ايمانه و السلوك بطرق الله و التأثير الايجابي التفاعلي في مواقف و مع ناس لا يمكن العبور اليهم بدون مثل هؤلاء الجسور البشرية التي غالباً ما يكون التزامهم الوقتي في حضور اجتماعات البنية محدوداً ولكن تم مقايضته باستثمار اكثر حكمة ببناء الجسور و العبور و توصيل النور الى اماكن لا يمكن الوصول اليها او حتي تخيل الوصول اليها.

تحتاج هذه البنية الى عنصرين اساسيين. العنصر الأول هو استمرار قوة الدفع و استقبال استنارة متجددة تضمن وجود دفق يحتاج الى بناء جسور ليعبر عليها حتى لا يتحول الى مياه راكدة في طريقها المحتوم للعفن ان لم يتم تحريكها.

اما العنصر الثاني هو تحديد العنصر الفعال في التفاعل فمثلا اذا كان المجتمع المعاصر يؤمن بسلطة الفرد او بتحكم اصحاب القوة او بقهر الاقلية او بمعايير متفاوتة في التعامل مع الناس تتوقف على وضعهم الاقتصادي او الثقافي او حسب النوع او اللون او العقيدة فهل ستكون هذه الصورة المجتمعية هي الصورة الموجودة داخل البنية و بذلك تتحول الجسور الى عبور في عكس الاتجاه يعبر عليها القيم المجتمعية المظلمة ثم يعاد تصديرها كما هي من حيث الجوهر حتى لو اختلفت المصطلحات او تم اضافة بعض الرتوش التجميلية التي لا تغير في المضمون.

والخطورة هنا ان البنية لا تنتج استنارة بل ان العالم هو الذي استخدم الجسور ليعبر عليها و تستقبل البنية افكار العالم فتعيد تغليفها و اعادة تصديرها بلا اي تغيير في المضمون.

البنية المعاصرة هي سلاح ذو حدين فهي قد تعبر على جسور التواصل باستنارة و حب و تأثير و قد يعبر العالم اليها و يحولها الى نسخة منه من حيث المضمون حتى لو نجحت البنية في تقديم شكل مختلف ظاهرياً.

٤- الكنيسة الحقيقية هي ابناء الله الحقيقيون وهي عروس المسيح المقدسة الطاهرة بلا دنس وبلا غضن و مهيأة كعروس لعريسها المسيح. كنيسة يمر فيها نهر حب ابدي لا يتوقف لحظة و يرتفع فيها صليب المسيح يراه كل سكانها فيملأ قلبهم شعور بالامتنان والافتخار وتعلو هتافاتهم بالتهليل فالصليب بالنسبة لهم مثل باقة الورد التي كلفت الحبيب حياته لكي يقدمها لمحبوبته مثل خاتم الخطبة ويعلن بها عهد حبه بلا رجعة. و تمتلئ المدينة باشجار المحبة و السلام و البر و القداسة و التعفف والصلاح وكل اشجارها ممتلئة بالثمر في كل فصول السنة وكل هذه الاشجار واكثر تكون دائرة وفي وسط الدائرة الشجرة الرئيسية التي تخرج منها انواع متعددة من حبوب اللقاح تنبت انواع متعددة من الشجر وكل شجرة مختلفة عن بقية الشجر وان كانت في أصلها تنتمي للشجرة التي في الوسط ويطلق عليها شجرة الحياة فهي مصدر الحياة و بدونها لن تحيا ولا شجرة واحدة في المدينة.

ويبني روح الله الكنيسة على هيئة شبكة في السماوات اولا ثم يشرق بها على العالم و يرسلهم الى حيث يشاء و يؤهلهم بحسب نوع المهمة. قد تكون الدعوة الى بنية محمية او بنية منقرضة او بنية معاصرة وحكمة الروح القدس متنوعة بحسب البنية المدعو اليها الساكن في مدينة الله او قد تكون الدعوة غير مرتبطة ببنية محددة لان كل ابن لله له مكانه المحفوظ في شبكة الملكوت التي هي الكنيسة الحقيقية و دائرة الشركة الحقيقية يكونها الروح القدس بدون احتياج الى بنية وعلى ذلك فسواء كانت الدعوة إلى بنية ما أو خارج إطار أي بنية فاولاد الله في حالة ارسالية من شبكة ملكوت الله في المدينة السماوية إلى الارضيين لعل نور المسيح ينير لهم الطريق و يجذبهم للمدينة السماوية حيث يستوطنون و يستقبلون تكليفهم في شبكة الملكوت و ينضمون إلى بقية السفراء السماويين و يجولون في المدينة الأرضية و يمنحون بلا مقابل سكانها ثمر الشجر الذي حملوه من مدينتهم السماوية لعل سكان المدينة الارضية يتلذذون بثمر السماء و يطلبون هذا الطعام و يسألون عن الطريق.