مجانية الابوة الالهية
ابونا السماوي يتعامل معنا كأبناء مولودين منه.
فقد صرنا ابناء الله بالطبيعة و بالحقيقة و ليس على سبيل اللقب الشرفي.
ان ابناء الله قد تمت ولادتهم من الله ولذلك فهم يحملون صفات منقوله لهم من الله و تحيا في داخلهم بنعمة الهية طبيعة الهية.
الجوهر الاساسي لهذه الطبيعة الالهية هو الحب الالهي و تجذبهم هذه الطبيعة الالهية الى حياة البر و القداسة اللذان يحفظان الإنسان في مجال دفء الحب الالهي و يحفظان دفء الحب الالهي في قلب الابن.
الابوة الالهية غير مشروطة بمدى استقامة الابن او تجنبه للاخطاء فهي ابوة دائمة و لايتراجع الله عن ابوته مهما كانت سقطات الابناء او حتى عصيانهم لانها ابوة صادرة من أب لابنه المولود منه و نابعة من حب الهي لا يتغير.
الدافع الوحيد المقبول لكي يحيا الابناء حياة القداسة هو الحب لله الآب و الاشتياق للشركة معه.
اما دوافع التخويف من العقاب او اللعنة او الترهيب عند وقوع الاخطاء او توجيه اصابع الاتهام الى الله عند حدوث شر في حياة الابناء فهي دوافع تعكس صورة مشوهة لا تليق بالله و لا ترى محبة الله كأب. بل هي دوافع مبنية على تصورات بشرية عن الله لا يصح ان تصدر من ابناء حقيقيين لأب كلي المحبة.
عندما اخطأ الابن في مثل الابن الضال لم يطرده الأب من البيت ولم يلعنه و لم يتوعده ان يكون عبرة للآخرين ولم يصدر اوامره للخدام ان يغلقوا الابواب امامه و لم يستخدم هذا الموقف لكي يخيف بقية الابناء من نتائج الخطأ الذي ارتكبه هذا الابن فيضمن السيطرة عليهم ولم يصدر قرارًا بحرمان الابن من ابوته عقابا له.
بل على العكس، لم تهدأ محبة الأب ولا لحظة و لم يتوقف الأب عن الانتظار و لم يفقد الاشتياق و الامل في عودة الابن.
لم يهتم الأب لماذا فعل الابن ذلك أو كيف اهان الأب بطلبه الميراث منه رغم انه مازال حيا و كأنه يصلبه و يدفنه حياً. لم يهم الأب العار الذي لحق به من تصرفات الابن. ولم يهم الأب ان الابن قد تركه و رفضه ولم يعبأ لِمحبته. ولم يهم الأب ان الابن قد ذهب بعيداً و استمر غيابه مدة طويلة و انغمس في الشهوة و النجاسة.
اهتم الأب بأمر واحد فقط و هو حبه لابنه فلم ينظر الى نفسه وماذا فعل معه الابن ولم ينصت للمشتكي ولم يواجه الرفض برفض و لم يوافق ان تنتهي الحكاية بفقدان الابن رغم ان الابن هو الذي اختار. ولم يفقد الأب الثقة في رجوع الابن رغم شدة الانحدار و الهاوية العميقة التي سقط فيها الابن.
ظل الأب منتظراً و الحب يملأه و في داخله اشتياق لا يكل وفعلاً تحقق ما كان الأب ينتظر حدوثه و رجع الابن فوجد انتظاراً و اشتياقاً. لم يسمع حتي كلمة لوم واحدة وانما وجد احضان و قبلات و فرح و احتفالات و مقاماً رفيعاً.
يفرح ابونا السماوي عندما يرى اولاده مدركين لعمق الحب الالهي الابوي الفائق للمعرفة البشرية و يعيشون في دائرة هذا الحب حيث الحضور الالهي في بيت بابا الآب
هـاني نعيم